هل أمريكا دولة محاربة أم معاهدة ؟
إن من أهم المسائل التي ينبغي بيانها قبل بحث شرعية المسألة وجوازها من عدمه ، هو تقرير هل أمريكا دولة حربية أم دولة معاهدة ؟ ، وإجابة هذا السؤال الذي تنبني عليه المسألة .
أقول : إن الدول في العالم تجاه المسلمين هي إما بلاد حرب أو بلاد عهد ، فالأصل الذي تكون عليه كل دولة كافرة هي أنها حربية يجوز قتالها بكل أنواع القتال كما كان يفعل الرسول r فقد كان يعترض قوافل الدول المحاربة كما اعترض قوافل قريش ، وكان يأخذ رعايا الدول الكافرة رهائن إذا اقتضى الأمر ذلك كما أخذ الرجل من بني عقيل أسيراً مقابل أسيرين من أصحابه أسرتهم ثقيف ، وكان يغتال أحياناً بعض شخصيات الدول المحاربة كما أمر باغتيال خالد الهذلي وكعب ابن الأشرف وسلمة بن أبي الحقيق والأخيرين كانا معاهدين فنقضا العهد فأباح قتلهما ، وكان يفتي بقتل نساء وشيوخ وأطفال الدول المحاربة إذا لم يتميزوا ولا يمكن الوصول للمقاتلة إلا بقتلهم ، كما فعل هو أيضاً ذلك في الطائف وقصفها بالمنجنيق ، فالدول المحاربة لا يوجد هناك حدود شرعية تمنع الإضرار بهم إلا ما كان من استهداف للنساء والصبيان والشيوخ إذا تميزوا ولم يعينوا على الحرب والعدوان ، ولم نحتج لمعاقبة الكافرين بالمثل كما سيأتي .
إذاً فالدول تنقسم إلى قسمين قسم حربي وهذا الأصل فيها وقسم معاهد ، قال ابن القيم في زاد المعاد 3/159واصفاً حال الرسول r بعد الهجرة قال ( ثم كان الكفار معه بعد الأمر بالجهاد ثلاثة أقسام أهل صلح وهدنة وأهل حرب وأهل ذمة ) والدول لا تكون ذمية بل تكون أما حربية أو معاهدة ، والذمة هي في حق الأفراد في دار الإسلام ، وإذا لم يكن الكافر معاهداً ولا ذمياً فإن الأصل فيه أنه حربي حلال الدم والمال والعرض قال شيخ الإسلام في الفتاوى 32/343 ( وإن كان كافرا حربيا فإن محاربته أباحت قتله وأخذ ماله واسترقاق امرأته ) وجاء في البخاري عن ابن عباس t تقسيم المشركين على عهد النبي r قال كان المشركون على منزلتين من النبي r والمؤمنين ، مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه ) .
وأمريكا من المتفق عليه بين المسلمين اليوم أنها لم تكن بلاد إسلام في يوم ما ، ولم تكن أيضاً بلاد عهد مع المسلمين أبداً ، ولو سلمنا أنها كانت بلاد عهد وقد عقدت اتفاقيات ثنائية أو جماعية مع المسلمين ، فإننا بالإجماع نثبت أنها قد نقضت تلك العهود إن صحت منها ، ورجع حكمها إلى أصله بلاد حرب ، ومن أعظم نقضها للعهود دعمها لليهود في فلسطين بكل أشكال الدعم ، فهذا وحده كافٍ لإثبات أنها دولة حربية يجوز معها استخدام كل الوسائل الحربية ضدها التي تسقطها أو تضعفها أو ترهبها سوى استهداف النساء والأطفال والشيوخ قصداً إذا لم يشاركوا بأي نوع من أنواع المشاركة ولم نحتج إلى عقوبتهم بالمثل كما سيأتي بيانه .
والنبي r قتل كعب ابن الأشرف بعدما قال قصيدة فاحشة في نساء المسلمين فعد النبي r هذا انتقاضاً لعهده فأمر باغتياله ، وكذلك غزا النبي r مكة وحارب قريشاً بعدما أعانت حلفاءها بني بكر بن وائل على الحرب ضد حلفاء النبي r من خزاعة ، فعد النبي r هذا ناقضاً وسبباً لانتقاض العهد وحاربهم .
وقد سئل شيخ الإسلام بن تيمية في الفتاوى 28/668 عن رجل يهودي من أهل الذمة قال : المسلمون كلاب يتعصبون علينا وكان قد خاصمه بعض المسلمين فما حكمه ؟ فأجاب رحمه الله : " إذا كان أراد بشتمه طائفة معينة من المسلمين ، فإنه يعاقب على ذلك عقوبة تزجره وأمثاله عن مثل ذلك ، وأما إن ظهر منه قصد العموم ، فإنه ينتقض عهده بذلك ويجب قتله " .
فهل يمكن لمن يدافع عن أمريكا أن يثبت لنا أنها لم تنقض عهدها إذا صح منها سابق عهد ؟ لا يمكن له أبداً أن ينفي حرب أمريكا للإسلام في كل مكان ، لا يمكن له أبداً أن ينفي أن أمريكا هي الداعم الوحيد لليهود في فلسطين وللنصارى في الفلبين وفي أندونيسيا وللهندوس في كشمير ، وأمريكا لا تتبرأ من هذا أبداً بل تعلن من على كل المنابر أنها تحارب التطرف الإسلامي والأصولية الإسلامية .
فإذا تقرر أن أمريكا دولة حربية ليس للمسلمين معها عهد ولا صلح ، أو على أقل الأحوال أنها نقضت عهودها ومواثيقها بقتل المسلمين أو الإعانة على قتلهم ، أمكننا بعد الاتفاق على ذلك أن ندخل إلى البحث لننظر في الأدلة الشرعية وهل تجيز الشريعة مثل ما حصل بأمريكا إذا كان من وراء العمليات مسلمون .
مدخل البحث وبيان عصمة الدماء
أولاً : وقبل كل شيء يجب أن نؤكد على أمر مهم وهو أن الهجمات التي شنت على الولايات المتحدة لم يثبت بعد إدانة المسلمين بها .
ثانياً : في حال الإعلان عن نتائج التحقيقات الجارية بأن الفاعل مسلم ، فإننا نبين أن تلك التحقيقات تحقيقات غير عادلة فكيف يكون الخصم قاضياً ؟ ، لذا لا يوثق بها ولا يمكن بناء أي حكم شرعي استناداً عليها فهي باطلة من الناحية الشرعية ، لعدم استنادها على الكتاب والسنة ، وما بني على باطل فهو باطل .
لذا فإننا نطلب من كل متسرع بالشجب والاستنكار أن يتريث لعدم ثبوت التهمة على مسلمين ، ولو أُعلن عن ارتكاب مسلمين لها فإننا لا يجوز أن نحكم بناءً على أخبارهم ، لأنهم أعداء و ليس هناك مانع لديهم أن يكونوا قد عرفوا المنفذين الحقيقيين وعندما وجدوهم غير إسلاميين ستتم ملاحقتهم ومعاقبتهم في الخفاء ، وإلصاق التهمة بالمسلمين لشن حرب عليهم .
أما الكلام من ناحية الحكم الشرعي على تلك العمليات في حال أن الذي نفذها مسلمون فإننا سنناقش الحكم بناءً على هذه الفرضية ، ونكرر بأننا لا نجزم بأن الفاعل مسلم ، ولكن لو فرض أنه مسلم فما الحكم الشرعي لذلك ؟ .
نقول : إن الشريعة قد حرمت دماء المسلمين وانتهاك أعراضهم واستباحة أموالهم ، أو الإضرار بهم بأي نوع من أنواع الإضرار المباشر وغير المباشر إلا بموجب شرعي لقول الرسول r ( لا يحل دم امرء مسلم إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة ) ، فهذه الأحوال هل التي يباح بها دم المسلم وعلى خلاف بين الفقهاء هل الحديث للحصر أم للتمثيل .
إلا أن غير المسلم ليس الأصل فيه الحرمة بل الأصل فيه الحل ، فهو حلال الدم والمال والعرض - أي بالسبي - ، ولا يحرم دمه وماله وعرضه والإضرار به إلا بحكم طارئ على الأصل كالعهد والذمة والائتمان ، أما النساء والصبيان والشيوخ وغير المقاتلة أو أهل الإعانة على القتال فالأصل فيهم العصمة لتخصيص النص لهم .
ومن الأدلة الدالة على حرمة قتل نساء وأطفال وشيوخ الكفار ما روي في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله r ( فنهى رسول الله r عن قتل النساء والصبيان ) وعند مسلم جاء في حديث بريدة t الطويل قوله r ( اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا .. الحديث ) وجاء عند أحمد وأبي داود عن رباح بن ربيع t قال كنا مع رسول الله r في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلا فقال ( انظر علام اجتمع هؤلاء ؟ ) فجاء فقال على امرأة قتيل فقال ( ما كانت هذه لتقاتل ) قال وعلى المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلا فقال ( قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا ) قال النووي ( أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا ، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء يقتلون ) وقال ( وكذلك كل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة أو معنى بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك ) ، قال ابن حجر ( فإن مفهومه – أي الحديث السابق - أنها لو قاتلت لقتلت ) .
هذه الأدلة وغيرها هي التي استثنت النساء والصبيان والشيخ الفاني والعسيف من القتل ولو كان من قوم حربيين بشرط أن يتميز ولا يعين على القتال لا بفعل ولا بقول وبذلك يحرم قتله قصداً إلا عقوبة بالمثل كما سيأتي ، أما قتله تبعاً فقد أجاز رسول الله r ذلك وسيأتي.
وبعد بيان نوعي الدول بالنسبة للمسلمين ، وبيان عصمة دم المسلم وإباحة دم الكافر الحربي ، وعصمة دماء النساء والصبيان والشيوخ ومن شابههم بشرط عدم المشاركة في الحرب والتمايز عن المقاتلة ومواقع القتال ، وعدم الحاجة للمعاقبة بالمثل .
بعد هذا البيان يمكننا الآن أن ندخل إلى بحث المسألة بعينها :-
الحالات التي يجوز فيها قتل المعصومين من الكفار
هل الأعمال التي ارتكبت ضد الولايات المتحدة وتدمير مركز التجارة العالمي وتدمير وزارة الدفاع وضرب البيت الأبيض والكونجرس وخطف طائراتها بمن فيها ، هل هذه الأعمال على فرض قيام المسلمين بها هل تجوز لهم أم أنها جريمة محرمة كما يصفها بعض المنتسبين للعلم ؟ .
إن الإجابة على هذا السؤال وبيان جوازه يقرر من عدة حالات ، ويكفي المخالف أن يوافق على حالة واحد فقط ليلزمه القول بجواز هذه الأعمال ، فالقول بالجواز لا يشترط فيه أن تنطبق جميع الحالات التي سنوردها كلها على المسألة ، بل واحدة منها تكفي ليكون الجواز ملزماً لكل من وافق على أن حالة واحدة أو أكثر قد انطبقت على واقعنا .
إن من أهم أدلة المستنكرين لهذا العمل هو أن تدمير مركز التجارة ووزارة الدفاع والبيت الأبيض في أمريكا ، قد أوقعت هذه الأعمال عدداً كبيراً من الضحايا الأبرياء من النساء والأطفال وغير المقاتلة التي حرمت الشريعة قتلهم للأدلة التي قدمنا .
والرد على هذا الإيراد يأتي بذكر عدة حالات خاصة تقضي على هذا العموم الذي احتجوا به :-
لقد سقنا أدلة حرمة قتل النساء والصبيان والشيوخ ومن في حكمهم من غير المقاتلة من الكفار ، إلا أن هؤلاء المعصومين من الكفار ليست عصمتهم مطلقة ، بل إن هناك حالات يجوز فيها قتلهم سواءً قصداً أو تبعاً وسنذكر تلك الحالات بالتفصيل .
الحالة الأولى : من الحالات التي يجوز فيها قتل أولئك المعصومين قصداً أن يعاقب المسلمون الكفار بنفس ما عوقبوا به فإذا كان الكفار يستهدفون النساء والأطفال والشيوخ من المسلمين بالقتل ، فإنه يجوز في هذه الحالة أن يفعل معهم الشيء نفسه ، لقول الله تعالى } فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { وقوله } والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ، ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور { وقوله } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ، واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون { وهذه الآيات عامة في كل شيء ، وأسباب نزولها لا يخصصها ، لأن القاعدة الشرعية تقول ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) .
فآية } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به .. { نزلت في المثلة ، روى الترمذي في سننه بسند صحيح عن أبي بن كعب t لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً ، ومن المهاجرين ستة ، منهم حمزة بن عبد المطلب t ، فمثلوا بهم ، فقالت الأنصار ، لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنربين علهم في التمثيل ، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين { فقال رجل : لا قريش بعد اليوم فقال النبي t كفوا عن القوم إلا أربعة ) .
وروى ابن هشام في السيرة " أن رسول r قال حين رأى ما رأى – أي من التمثيل بعمه حمزة t - ( لولا أن تحزن صفية ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ، ولئن أظهرني الله على قريش ، في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم ) فلما رأى المسلمون حزن رسول الله r وغيظه على من فعل بعمه ما فعل ، قالوا والله لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب .. قال ابن إسحاق .. وحدثني من لا أتهم عن ابن عباس : أن الله عز وجل أنزل في ذلك من قول رسول الله r وقول أصحابه } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ، واصبر وما صبرك إلا بالله ، ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون { فعفا رسول الله r ونهى عن المثلة " .
روى بن أبي شيبة 7/366 قال لما كان يوم أحد وانصرف المشركون فرأى المسلمون بإخوانهم مثلة سيئة جعلوا يقطعون آذانهم وآنافهم ويشقون بطونهم فقال أصحاب رسول الله r لئن أنالنا الله منهم لنفعلن فأنزل الله } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين { فقال رسول الله r ( بل نصبر ) .
فالمثلة منهي عنها ومحرمة لقول الرسول r كما جاء عند البخاري عن عبد الله ين يزيد t ( أنه نهى عن النهبى والمثلة ) قال ابن حجر في الفتح 5/120 " المثلة : تشويه خلقة القتيل ، كجدع أطرافه ، وجب مذاكره ونحو ذلك " .
وفي صحيح مسلم من حديث بريدة أن النبي r كان يوصي قادة جيوشه وسراياه بقوله ( اغزوا باسم الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ، ولا تغلوا ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً .. ) .
إلا أن العدو إذا مثل بقتلى المسلمين جاز للمسلمين أن يمثلوا بقتلى العدو وترتفع الحرمة في هذه الحالة ، و الصبر وترك المثلة أفضل للمسلمين ، أما الرسول r فالصبر وترك المثلة في حقه على الوجوب لأن الله سبحانه وتعالى أمره بالصبر وقال له } واصبر وما صبرك إلا بالله { وقال للمؤمنين }ولئن صبرتم { ندباً على الصبر ، فالشاهد من الآية أن المثلة محرمة وارتفعت الحرمة في حال المعاقبة بالمثل ، والآية عامة فيجوز أن يعامل المسلمون عدوهم بالمثل في كل شيء ارتكبوه ضد المسلمين ، فإذا قصد العدو النساء والصبيان بالقتل ، فإن للمسلمين أن يعاقبوا بالمثل ويقصدوا نساءهم وصبيانهم بالقتل ، لعموم الآية .
قال ابن مفلح في الفروع 6/218 نقلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية " إن المثلة حق لهم ، فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر ، ولهم تركها ، والصبر أفضل ، وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد ، ولا يكون نكالا لهم عن نظيرها ، فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاءً لهم إلى الإيمان أو زجراً لهم عن العدوان ، فإنه هنا من باب إقامة الحدود والجهاد المشروع " و انظر الاختيارات لشيخ الإسلام 5/521.
قال ابن القيم في حاشيته 12/180 " وقد أباح الله تعالى للمسلمين أن يمثلوا بالكفار إذا مثلوا بهم وإن كانت المثلة منهيا عنها فقال تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { وهذا دليل على جدع الأنف وقطع الأذن وبقر البطن ونحو ذلك هي عقوبة بالمثل ليست بعدوان والمثل هو العدل ، وأما كون المثلة منهيا عنها فلما روى أحمد في مسنده من حديث سمرة بن جندب وعمران بن حصين قال ما خطبنا رسول الله خطبة ( إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة ) .
فإن قيل فلو لم يمت إذ فعل به نظير ما فعل فأنتم تقتلونه وذلك زيادة على ما فعل فأين المماثلة ؟ ، قيل هذا ينتقض بالقتل بالسيف ، فإنه لو ضربه في العنق ولم يوجبه كان لنا أن نضربه ثانية وثالثة حتى يوجبه اتفاقا ، وإن كان الأول إذا ضربه حصول واحدة واعتبار المماثلة له طريقان إحداهما اعتبار الشيء بنظيره ومثله وهو قياس العلة الذي يلحق فيه الشيء بنظيره ، والثاني قياس الدلالة الذي يكون الجمع فيه بين الأصل والفرع بدليل العلة ولازمها فإن انضاف إلى واحد من هذين عموم لفظي كان من أقوى الأدلة لاجتماع العمومين اللفظي والمعنوي وتضافر الدليلين السمعي والاعتباري فيكون موجب الكتاب والميزان والقصاص في مسألتنا هو من هذا الباب كما تقدم تقريره وهذا واضح لا خفاء به ولله الحمد والمنة " .
وكلام العلامة ابن القيم المتقدم رد على من قال : وكيف تقتلون نساء وصبيان المقاتلة إذا فعلوا هذا بنساء وصبيان المسلمين ؟ وكيف تأخذون ثأركم من غير الفاعل ؟ والله يقول } ولا تزر وازرة وزر أخرى { .
وهذا الإيراد باطل و ينتقض حتى لو قلناه على المقاتلة فكيف يقاتل النبي r مقاتلة قريش والذي نقض العهد هم بني بكر بن وائل أو قادة قريش .
وكيف يقتل النبي r رجال وشيوخ وأجراء بني قريظة وهم لم ينقضوا العهد بل نقضه كبراؤهم وأهل الرأي منهم فقتل بجريرتهم سبعمائة نفس ، واسترق من بقي .
وأيضاً كيف يجيز العلماء المثلة مطلقاً برجال العدو ولم يشترطوا أن تكون المثلة بالفاعل ؟ .
ولو أن رجلاً قتل آخر فلماذا تتحمل عاقلته الدية ويغرمون والذي ارتكب الجناية فرد منهم وهم لم يشاركوه ورغم ذلك تحملوا جريرته ؟
وفي مسألة القسامة أيضاً كيف يجيز الشرع لخمسين رجلاً من أولياء المقتول الذين لم يشهدوا القتل ، على أن يقسموا على رجل مشتبه به بأنه قتل وليهم ثم يدفع لهم برمته ليقتلوه ؟ كيف يُقتل في هذه الحالة والإدانة هنا لم تكن مؤكدة بالطبع كما هي في حالة الإقرار أو الشهود ؟
وجاء في الصحيحين كذلك من حديث رافع بن خديج t قال كنا مع النبي r بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فجاء رسول الله r ( فأمر بها فأكفئت ) ، فكيف يعاقب الرسول r هؤلاء بإتلاف اللحم وهو من الغنائم التي لم تقسم بعد وللجيش جميعاً حق فيه ، والذي اعتدى هم الذين أغلوا بها القدور فقط ، فلم تكون العقوبة جماعية ؟ .
قال ابن حجر في الفتح " وحمل البخاري الإكفاء على العقوبة بالمال وإن كان ذلك المال لا يختص بأولئك الذين ذبحوا , لكن لما تعلق به طمعهم ، كانت النكاية حاصلة لهم " .
وأيضاً يرد على الإيراد المتقدم بعموم قول الله تعالى } واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة .. الآية { وقوله } وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً { .
و الشريعة جاءت بمثل هذه العقوبات لمثل تلك الحالات من الجرائم ، لأن هذه الجرائم التي حمل الشارع عقوبتها غير الجناة هي معاص تعتبر جماعية بإمكان الجماعة إذا علموا أنهم سيعاقبون بها أن يجبروا الجاني على أن يكف عن ذلك ، لذا جاءت الشريعة بعقاب الجماعة من أجل الفرد ، حثاً للجماعة وتحريضاً لهم على أن يأخذوا على يد الجاني قبل أن يفعل ذلك والله أعلم .
وراجع كلام ابن القيم المتقدم ليتضح لك المعنى .
والآيات المتقدمة لا تقتصر على المماثلة في القصاص فقط بل هي عامة لكل عقوبة أو حد سواءً مع مسلم أو ذمي أو معاهد أو حربي قال القرطبي 2/357 " قوله تعالى } فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { وقوله تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { قالوا وهذا عموم في جميع الأشياء كلها وعضدوا هذا بأن النبي r ( حبس القصعة المكسورة في بيت التي كسرتها ودفع الصحيحة وقال إناء بإناء وطعام بطعام ) أخرجه أبو داود ، ثم قال ... لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية أصل في المماثلة في القصاص فمن قتل بشيء قتل بمثل ما قتل به وهو قول الجمهور ما لم يقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر فيقتل بالسيف ، وللشافعية قول أنه يقتل بذلك فيتخذ عوداً على تلك الصفة ويطعن به في دبره حتى يموت ويسقى عن الخمر ماءً حتى يموت ، وقال ابن الماجشون إن من قتل بالنار أو بالسم لا يقتل به لقول النبي r ( لا يعذب بالنار إلا الله ) والسم نار باطنه وذهب الجمهور إلى أنه يقتل بذلك لعموم الآية " .
وأفتى شيخ الإسلام بمقتضى عموم الآية في رد سؤال ورد عليه فقال في الفتاوى 30/ 362 " عن رجل أُخذ ماله ظلما بغير حق وانتهك عرضه أو نيل منه في بدنه فلم يقتص في الدنيا وعلم أن ما عند الله خير وأبقى فهل يكون عفوه عن ظالمه مسقطا لما عند الله أم نقصا له أم لا يكون ، أو يكون أجره باقيا كاملا موفرا وأيما أولى مطالبة هذا الظالم والانتقام منه يوم القيامة وتعذيب الله له أو العفو عنه وقبول الحوالة على الله تعالى ؟ .
فأجاب : لا يكون العفو عن الظالم ولا قليله مسقطا لأجر المظلوم عند الله ولا منقصا له بل العفو عن الظالم يصير أجره على الله تعالى فإنه إذا لم يعف كان حقه على الظالم فله أن يقتص منه بقدر مظلمته وإذا عفا وأصلح فأجره على الله وأجره الذي هو على الله خير وأبقى قال تعالى } وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله انه لا يحب الظالمين { فقد أخبر أن جزاء السيئة سيئة مثلها بلا عدوان وهذا هو القصاص في الدماء والأموال والأعراض ونحو ذلك ثم قال } فمن عفا وأصلح فأجره على الله { .. ثم قال .. وقد قال تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين { وأباح لهم سبحانه وتعالى إذا عاقبوا الظالم أن يعاقبوه بمثل ما عاقب به ثم قال } ولئن صبرتم لهو خير للصابرين { فعلم أن الصبر عن عقوبته بالمثل خير من عقوبته فكيف يكون مسقطا للأجر أو منقصا له ؟ " أهـ مختصراًَ .
وإذا كانت المماثلة جائزة في حق المعتدي المسلم في القصاص فكيف بها في حق المعتدي الحربي ؟ ، قال النووي في المهذب 2/186 فصل إذا قتل بالسيف لم يقتص منه إلا بالسيف لقوله تعالى } فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { ولأن السيف أرجى الآلات فإذا قتل به واقتص بغيره أخذ فوق حقه لأن حقه في القتل ، وقد قتل وعذب فإن أحرقه أو غرقه أو رماه بحجر أو رماه من شاهق أو ضربه بخشب أو حبسه ومنعه الطعام والشراب فمات فللولي أن يقتص بذلك لقوله تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { ولما روى البراء رضي الله عنه أن النبي r قال ( من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه ) ولأن القصاص موضوع على المماثلة والمماثلة ممكنة بهذه الأسباب فجاز أن يستوفى بها القصاص وله أن يقتص منه بالسيف لأنه قد وجب له القتل والتعذيب فإذا عدل إلى السيف فقد ترك بعض حقه فجاز " .
قال الشوكاني في نيل الأوطار 6/39 " قوله تعالى } وجزاء سيئة سيئة مثلها { وقوله تعالى } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { وقوله تعالى } فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { والحاصل أن الأدلة القاضية بتحريم مال الآدمي ودمه وعرضه عمومها مخصص بهذه الثلاث الآيات " أهـ مختصراً
قال ابن القيم في إعلام الموقعين 1/328 " قوله } فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { وقوله } وجزاء سيئة سيئة مثلها { وقوله } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { يقتضي جواز ذلك - إي العقوبة بالمثل في الأنفس والأعراض والأموال - وقد صرح الفقهاء بجواز إحراق زروع الكفار وقطع أشجارهم إذا كانوا يفعلون ذلك بنا وهذا عين المسألة وقد أقر الله سبحانه الصحابة على قطع نخل اليهود لما فيه من خزيهم وهذا يدل على أنه سبحانه يحب خزي الجاني الظالم ويشرعه ، وإذا جاز تحريق متاع الغال بكونه تعدى على المسلمين في خيانتهم في شيء من الغنيمة فلأن يحرقوا ماله إذا حرق مال المسلم المعصوم أولى وأحرى ، وإذا كانت المالية في حق الله الذي مسامحته به أكثر من استيفائه فلأن تشرع في حق العبد الشحيح أولى وأحرى ، ولأن الله سبحانه شرع القصاص زجرا للنفوس عن العدوان وكان من الممكن أن يوجب الدية استدراكا لظلامة المجني عليه بالمال ولكن ما شرعه أكمل وأصلح للعباد وأشفى لغيظ المجني عليه وأحفظ للنفوس والأطراف ، وإلا فمن كان في نفسه من الآخر من قتله أو قطع طرفه قتله أو قطع طرفه وأعطى ديته والحكمة والرحمة والمصلحة تأبى ذلك وهذا بعينه موجود في العدوان على المال " .
وبعد هذه النصوص المنقولة عن أهل العلم وبيان أن العقوبة بالمثل الواردة في الآيات ليست خاصة بالمثلة التي كانت سبباً لنزول أحدها ، بل هي عامة في القصاص والحدود والمعاملة مع الكفار ومع فساق المسلمين الظلمة ، فإذا جاز الاقتصاص من المسلم بمثل جريمته ، فلأن يجوز معاملة الكافر الحربي بمثل معاملته للمسلمين من باب أولى .
ومن المشاهد أن الكفار اليوم لا سيما أمريكا تقتل أبناء المسلمين ونساءهم وشيوخهم بغير ذنب اقترفوه ، فهاهم يحاصرون العراق منذ عقد من الزمان ولم يقتل إلا الشعب المسلم ، وفي قصفهم للعراق لم يضروا الحكومة العراقية بضرر بالغ بل أضروا المسلمين فقتلوا مئات الآلاف منهم ، ولو أن المسلمين عاملوا أمريكا بالمثل لجاز لهم أن يقتلوا بضعة عشر مليون مدني ، فبصاروخ واحد قتلت أمريكا ما يربوا على خمسة آلاف مسلم في ملجأ العامرية ببغداد أثناء حرب الخليج ، لو كان الفاعل لعمليات أمريكا مسلما لكانت هذه العمليات فقط رد دين مقابل حادثت ملجأ العامرية التي فجعت المسلمين ، ناهيك عن الحصار الذي أودى بحياة أكثر من مليون ومئتي ألف مسلم ، وأيضاً فعدوان أمريكا لا زال مستمراً على الأبرياء في العراق ، فإن آثار الأسلحة الفتاكة التي أصابت أرض المسلمين بالفساد وأصابت مئات الآلاف من الأبرياء بأمراض غريبة أشهرها سرطان الدم لا زالت ظاهرة للعيان ، بسبب اليورانيوم المنضّب وقد بلغت وفيات الأطفال فقط خلال هذه السنوات بسبب ضربات أمريكا مع الحصار أكثر من 750000طفل (ثلاثة أرباع مليون!) ، إن إفساد أمريكا في العراق يعادل مئات الأضعاف مما أصابها في عمليات الثلاثاء المبارك
وإذا نظرت إلى حصار أمريكا لأفغانستان فإنك ترى العجب العجاب فضحايا الحصار يصل إلى سبعين ألف مسلم ، أما الأوبئة والأمراض والفقر فإنه ارتفع إلى نسبة 95% في الشعب الأفغاني المسلم كل هذا تسببت به أمريكا بالدرجة الأولى ، وقد أُمطرت أرض المسلمين بسبعين صاروخ فلم نجد من يستنكر هذا الإرهاب ولا قتل الأبرياء .
وأدر طرفك إلى فلسطين لترى منذ أكثر من خمسين عاماً حرب أمريكا للمسلمين من خلال اليهود ، نتج عنها خمسة ملايين مشرد و 262 ألف شهيد بإذن الله و 186 ألف جريح و 161 ألف معوق ، ولا زال الحصار على إخواننا في فلسطين بعون أمريكا مشدداً منذ أكثر من عشرة أشهر قتل خلاله من جراء الحرب الصهيوأمريكية على المسلمين أكثر من ألف ومائتي مسلم وجرح ما يزيد على واحد وعشرين ألف مسلم .
وفي الصومال تدخلت أمريكا بحجج إنسانية لتفسد في الأرض فقتلت ثلاثة عشر ألف مسلم وحرقت أبناء المسلمين ، وفعل الجنود الأمريكيون بأبناء المسلمين وبنسائهم الفواحش ، ودفنوا نفياتهم النووية في أرض الصومال المسلمة ، ولا زالت أرض المسلمين تعاني من العدوان الأمريكي عليها .
والسودان حاصرتها أمريكا سنين ولا زالت وضربتها بالصواريخ عازمة على قتل أهل الخرطوم جميعاً ، لأنها ضربت ما كانت تزعم أنه مخزون أسلحة كيماوية ولو كان توقعها صحيحاً لتسربت تلك الغازات من جراء الضربات الجوية ولقتلت أهل الخرطوم جميعاً ، ولا زالت أمريكا تقف بشكل علني وراء الصليبيين في جنوب السودان وتسعر الحرب التي راح ضحيتها أبناء المسلمين واقتصادهم .
هذه بعض قضايا المسلمين التي دخلت أمريكا فيها بشكل علني ومباشر لقتل الأبرياء والإفساد في أرض المسلمين ، ناهيك عن القضايا التي تقف وراءها أمريكا كما هو الحال في الفلبين وأندونيسيا وكشمير ومقدونيا والبوسنة وغيرها ، وبإمكان المسلم أن يقول كل مصيبة تحصل للمسلمين فإن لأمريكا يد طولى فيها إما مباشرة أو غير مباشرة .
فهذه أمريكا لا تأبه بشعب ولا بشعوب لا إسلامية ولا غير إسلامية بل لا تحرص إلا على مصالحها حتى على حساب قتل البشرية جميعاً ، فضحاياها عشرات الملايين منذ أن تسلطت على العالم منذ نصف قرن ، فكيف تُوقف أمريكا عند حدها وكيف تكف يدها عن العدوان ضد المسلمين ؟ ، إن الشريعة الإسلامية لم تكن ناقصة أبداً ففي الشريعة حكم بالقصاص من كل معتدٍ أثيم ، فأمريكا تقتل المسلمين بأسلوب بطيء ولا يمكن للضعفاء من المسلمين أن يعاقبوها لأنها لا تواجه أحداً بل تضرب عن بعد أو تحاصر ، فالحل الأمثل لهؤلاء الطغاة أن يعاقبوا بمثل ما عاقبوا المسلمين واعتدوا عليهم به ، فكيف تُطلق يد أمريكا لقتل نسائنا وصبياننا وتشريد المسلمين وضربهم متى شاءت وكيف شاءت وأين شاءت ؟ ويحرم على المسلمين أن يعاملوها بالمثل ؟ إن الذي يقول بهذا إما جاهل أو جائر ظالم للمسلمين ، يسعى لحماية أمريكا لتزيد من التقتيل والتشريد في المسلمين .
ومن أنواع المعاملة بالمثل فإننا سنطبق قانون أمريكا عليها :
فبسبب صدام وحزب البعث عاقبت شعبا بأكمله فقتل بقنابلها وحصارها ملايين من المسلمين العراقيين .
وبسبب أسامة بن لادن حاصرت الأفغان وضربتهم بالصواريخ فمات عشرات الآلاف من المسلمين .
وبسبب (مصنع موهوم) ضربت السودان فدمرت مصنعا للأدوية و قتل من فيه من المسلمين .
وهكذا .
ونقول نحن معاملة بالمثل
بسبب ذنب (الحكومة الأمريكية) وطريقتها في (معاقبة الشعوب ) بسبب (الأفراد) ، سنطبق هذا القانون فنعاقب شعبها بسبب (الحكومة)!.
ثم ما الذي يغضب أمريكا وأذنابها إذا عاقبنا بالمثل فهذا هو قانونها ، أليست هي التي تصدر الحكم على من تشاء ثم تضربه بحجة أنه إرهابي أو داعم للإرهاب ؟ وتقتل غير الفاعل وتهلك الأبرياء ولا ترى في فعلها هذا أدنى حرج .
نعم نحن سنعمل بقانونها هذا وسنتخذ مبدأها غطاءً ، اليهود إرهابيون وأمريكا تدعم الإرهاب الصهيوني في فلسطين ، أليس من حقنا أن نصدر عليها حكماً بضربها وفقاً لمبدئها ؟! بلا شك نعم من حقنا ذلك .
إذا ما الذي يغضبها ويغضب العالم ؟! فإن أردنا أن نعاملها بالمثل جازت العمليات شرعاً ، وإن أردنا أن نعاملها وفقاً لقانونها جاز هذا الفعل في نظامها العالمي الجديد !!! .
إن مما لا شك فيه أن قتل نساء وصبيان وشيوخ أمريكا ومن في حكمهم من غير المقاتلة أنه جائز حلال بل هو من ضروب الجهاد التي أمر الله ورسول r بها ، لقول الله تعالى } فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم { وقوله } وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به { إلا أنه لا يجوز للمسلمين في قتل المعصومين من الأمريكيين أن يزيدوا في القتل على أربعة ملايين شخص من غير المقاتلة وتشريد أكثر من عشرة ملايين أمريكي !! ، حتى لا نتعدى وتكون العقوبة زائدة على المثل والله أعلم .
الحالة الثانية : لقد قدمنا بأن معصومي الدم من النساء والصبيان والشيوخ الكفار لا يجوز استهدافهم وقتلهم قصداً إلا عقوبة بالمثل ، أما قتلهم تبعاً من غير قصد فهو جائز بشرط أن يكون في استهداف المقاتلين أو الحصون قتلاً لهم بسبب أنهم لم يتميزوا عن المقاتلة أو الحصون ، فيجوز قتلهم والدليل ما جاء في الصحيحين عن الصعب بن جثامة t قال سئل النبي r عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال ( هم منهم ) ، وهذا يدل على جواز قتل النساء والصبيان تبعاً لآبائهم إذا لم يتميزوا ، وفي رواية مسلم قال ( هم من آبائهم )
ورأي الجمهور أن نساء الكفار وذراريهم لا يقتلون قصداً ولكن إذا لم يتوصل إلى قتل الآباء إلا بإصابة هؤلاء جاز ذلك .
يقول ابن حجر في الفتح 6/146" قوله ( عن أهل الدار ) أي المنزل ، وقوله ( هم منهم ) أي : في الحكم في تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم ، بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الآباء إلا بوطء الذرية ، فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم " .
ويقول النووي في شرحه لصحيح مسلم 7/325 " وهذا الحديث الذي ذكرناه من جواز بياتهم ، وقتل النساء والصبيان في البيات : هو مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور ، ومعنى البيات ، ويبيتون : أن يُغار عليهم بالليل بحيث لا يعرف الرجل من المرأة والصبي .. وفي هذا الحديث دليل لجواز البيات وجواز الإغارة على من بلغتهم الدعوة من غير إعلامهم بذلك " .
ويقول ابن الأثير في جامع الأصول 2/733 " يبيتون : التبييت طُروق العدو ليلاً ، على غفلة للغارة والنهب ، وقوله ( هم منهم ) أي حكمهم وحكم أهلهم سواء ، وكذلك قوله في رواية ( هم من آبائهم ) " .
قال ابن قدامة في المغني والشرح 10/503 "ويجوز قتل النساء والصبيان في البيات ( الهجوم ليلا ) وفي المطمورة إذا لم يتعمد قتلهم منفردين ، ويجوز قتل بهائمهم ليتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم ، وليس في هذا خلاف " .
وقال في المغني 9/231 " فصل ويجوز تبييت الكفار وهو كبسهم ليلا وقتلهم وهم غارون قال أحمد لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات قال ولا نعلم أحدا كره بيات العدو وقرأ عليه سفيان عن الزهري عن عبد الله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال سمعت رسول الله r يسأل عن الديار من المشركين نبيتهم فنصيب من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم فقال إسناد جيد فإن قيل فقد نهى النبي r عن قتل النساء والذرية قلنا هذا محمول على التعمد لقتلهم قال أحمد أما أن يتعمد قتلهم فلا ، قال وحديث الصعب بعد نهيه عن قتل النساء لأن نهيه عن قتل النساء حين بعث إلى ابن أبي الحقيق وعلى أن الجمع بينهما ممكن يحمل النهي على التعمد والإباحة على ما عداه " .
ومعلوم هنا أن النبي r عندما سئل عن قتل الذراري في حال الإغارة والبيات لم يستفصل عن مدى الحاجة التي ألزمت المقاتلة بهذه الغارة حتى يبيح لهم قتل معصومي الدم من الكفار وهم النساء والصبيان ، و القاعدة الشرعية تقول ( ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ) فعموم مقال النبي r ( هم منهم ) بلا ضوابط ، يجيز للجيش الإسلامي إذا رأى أنه بحاجة إلى الغارة فإنه يجوز له فعلها حتى لو ذهب ضحيتها النساء والصبيان والشيوخ وغيرهم ، ولو من غير ضرورة ملحة للغارة .
فالعلة التي جاز من أجلها قتل النساء والصبيان في حال البيات هي الحاجة إلى إضعاف قوة العدو وضرب قدرته على المقاومة ، بقتل رجاله وهدم حصونه حتى لو ذهب غير المقاتلة ضحية لذلك ، فإذا كانت العلة المبيحة لقتل النساء والصبيان هي إضعاف العدو عن المقاومة ، - كما يتضح ذلك من مجموع النصوص المبيحة لقتل النساء والصبيان وستأتي - ، فإن قتل النساء والصبيان بسبب استهداف مراكز قوى العدو الاستراتيجية هو بمثابة الغارة لأن العلة التي جاز من أجلها قتل النساء والصبيان من الكفار في الغارة هي متوفرة بشكل أكبر في المواقع الاستراتيجية للعدو بما يزيد على مصلحة قتل المقاتلة فقط ، فالمواقع الاستراتيجية التي ضربت في يوم الثلاثاء المبارك ضربها أشد على أمريكا من قتل عشرين ألف مقاتل لها ، فمن أجاز قتل معصومي الدم لأنهم لم يتميزوا عن المقاتلة فإنه يجيز قتلهم لأنهم لم يتميزوا عن المواقع الاستراتيجية التي هي أهم من المقاتلة من باب أولى وفقاً للأصول .
الحالة الثالثة : و يجوز قتل من يحرم قتله من النساء والصبيان والشيوخ وغيرهم من معصومي الدم وذلك في حال لو حملوا السلاح على المسلمين أو قاموا بأعمال تعين على الأعمال القتالية سواءً بالتجسس أو الإمداد أو الرأي أو غيرها وهذا واضح بسبب تعليل الرسول r في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود عن رباح بن ربيع t قال كنا مع رسول الله r في غزوة فرأى الناس مجتمعين على شيء فبعث رجلا فقال ( انظر علام اجتمع هؤلاء ؟ ) فجاء فقال على امرأة قتيل فقال ( ما كانت هذه لتقاتل ) قال وعلى المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلا فقال ( قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا)
قال ابن حجر في الفتح 6/148 ( فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت ) وقال النووي في شرح صحيح مسلم 7/324 ( أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا ، فإن قاتلوا قال جماهير العلماء يقتلون ) وقال ( وكذلك كل من لم يكن من أهل القتال لا يحل قتله إلا إذا قاتل حقيقة أو معنى بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك ) وتأمل قوله ( قاتل حقيقة أو معنى بالرأي والطاعة والتحريض وأشباه ذلك ) .
قال شيخ الإسلام في السياسة الشرعية 132-133 ( وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب ، والشيخ الكبير والأعمى الزّمِن ونحوهم فلا يُقتل عند جمهور العلماء إلا أن يقاتل بقوله أو فعله ، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر والأول هو الصواب ) فتأمل أيضا قوله ( إلا أن يقاتل بقوله أو فعله ) وهذا الكلام وكلام النووي السابق ، يدل على أن من يحرم قتلهم قصداً إذا أعانوا بأقوالهم أو أفعالهم لمحاربة المسلمين جاز استهدافهم بالقتل .
قال صاحب العون في شرح قوله r ( انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) ، قوله ( لا تقتلوا شيخاً فانياً ) أي إلا إذا كان مقاتلا أو ذا رأي ، وقد صح أمره u بقتل دريد بن الصمة , وكان عمره مائة وعشرين عاما أو أكثر , وقد جيء